أركان النجاح


إِنَّ نَجَاحَ الإنْسَانِ فِي حَيَاتِهِ يَكْمُنُ في صِدْقِهِ، وَإِخْلاصِهِ مَعَ رَبِّهِ وتطبيقِهِ لأَحْكَامِ شَرْعِهِ، وَمُعَاشَرَتِهِ لِلنَّاسِ بِأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ وَأَفْضَلِهَا، وَحِمَايَةِ اللِّسَانِ مِنْ الخَوْضِ فِيْمَا لَا يَعْنِيْ وَلَا يُغْنِيْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قَدْ وَجَّهَ الـمُسْلِمَ إِلَى اغْتِنَامِ طَاقَاتِهِ فِيْمَا يَنْفَعُهُ، وَتَرْكِ مَا يَضُرُّهُ، قَالَ عليه الصلاة و السلام :«مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الـمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيْهِ» رواه الترمذيّ وحسّنه.

وَالنَّجَاحُ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ وَالفَلَاحُ بَعْدَ الـمَمَاتِ؛ غَايَةٌ وَهَدَفٌ يَصْبُوْ إِلَيْهِمَا كُلُّ مُؤْمِنٍ مُوَحِّدٍ، وَلَكِنَّ النَّجَاحَ يَحْتَاجُ إِلَى عَمَلٍ وَبَذْلٍ، وَإِنَّ لَهُ أَسْبَاباً وَأَرْكَاناً لَا يَتِمُّ هَذَا النَّجَاحُ إِلَّا بِهَا..

الرُكنُ الأَوَّلُ : التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ

فِإِنَّ التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ عِبَادَةُ الصَّادِقِيْنَ، وَسَبِيْلُ الـمُخْلِصِيْنَ، وَهُوَ صِدْقُ الاعْتِمَادِ عَلَيْهِ فِي تَسْيِيْرِ الأُمُوْرِ، وَاسْتِجْلَابِ الـمَصَالِحِ، وَدَفْعِ الـمَضَارِّ، مَعَ فِعْلِ الأَسْبَابِ الـمُنَاسِبَةِ، فَيَكُوْنُ العَبْدُ وَاثِقاً بِمَا عِنْدَ اللهِ، وَرَاضِياً بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ <> ٱلَّذِي يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ <> وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّٰجِدِينَ <> إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ﴾.

الرُكنُ الثَانِيْ : الإِيْمَانُ بِمَا نَسْعَى مِنْ أَجْلِهِ

فِإِذَا آمَنَّا بِالْهَدَفِ الَّذِيْ نُحَاوِلُ الوُصُولَ إِلَيْهِ فَسَنَصِلُ رَغْمَ الصُّعُوبَاتِ بَعْدَ تَوْفِيْقِ اللهِ، أَمَّا إِذَا لَمْ نُؤْمِنْ بِالْهَدَفِ فَلَنْ نَصِلَ إِلَيْهِ.

الرُّكْنُ الثَّالِثُ : الصَّبْرُ

اصْبِرْ وَلا تَيْأَسْ، فَإنَّ السَّاعِيَ لِلنَّجَاحِ بِلَا صَبْرٍ، كَمِثْلِ الـمُقْبِلِ عَلَى الحَرْبِ بِلَا دِرْعٍ يَقِيْهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ …..)

الرُّكْنُ الرَّابِعُ : الِهمَّةُ العَالِيَةُ

وَهِيَ قُوَّةُ العَزِيْمَةِ وقُوَّةُ الإِرَادَةِ، وَالإِصْرَارُ عَلَى تَجَاوُزِ كُلِّ الصُّعُوْبَاتِ وَالتَّحَدِّيَاتِ، فالنّبِيُّ عليه الصلاة و السلام أَخْبَرَنَا «أنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُوْرِ وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا»، فَيَنْبَغِيْ أَنْ يَحِرْصَ الـمُسْلِمُ عَلَى مَرْضَاةِ رَبِّهِ، وَالاقْتِدَاءِ بِرَسُوْلِهِ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتِثْمَارِ الوَقْتِ فِيْمَا يُفِيْدُ، وَالتَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَعُلُوِّ الهِمِّةِ فِي كُلِّ خَيْرٍ.

الرُّكْنُ الخَامِسُ : الثِّقَةُ بِالنَّفْسِ

وَهِيَ أَنْ تُؤْمِنَ بِقُدُرَاتِكَ وترى أَهْدَافَكَ بِكُلِّ وُضُوْحٍ، وَتَنْطَلِقَ لِكَيْ تَبْنِيَ النَّجَاحَاتِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِين ).

الرُّكْنُ السَادِسُ : الاسْتِعْدَادُ لِلتَّغْيِيْرِ

لِكَي نَسْتَطِيْعَ مُوَاجَهَةَ التَّحَدِّيَاتِ بِطَرِيْقَةٍ إِيْجَابِيَّةٍ وَمُرُونَةٍ، وَنَجِدَ أَمَامَنَا فُرَصاً عَدِيْدَةً تُؤَدِّيْ إِلَى النَّجَاحِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿.. إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ …).

الرُّكْنُ السَّابِعُ: التَّفَاؤُلُ

وَهُوَ إِحْسَانُ الظَّنِّ وَتَوَقُّعُ الخَيْرِ، فَبِقَدْرِ تَفَاؤُلِكَ سَتُحَقِّقُ إِنْجَازَاتِكَ. عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنْهُ قَالَ : «كَانَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه و سلم يُعْجِبُهُ الفَأْلُ الحَسَنُ» رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

آخِرُ هَذِهِ الأَرْكَانِ: الـمُحَاسَبَةُ وَالتَّقْوِيْمُ

وَذَلِكَ بَعْدَ كُلِّ مَرْحَلَةٍ يَقْطَعُهَا السَّاعِيْ لِلنَّجَاحِ، وَبِدُوْنِ هَذِهِ الـمُحَاسَبَةِ وَالتَّقْوِيمِ قَدْ لَا يَسْتَمِرُّ مَا تَحَقَّقَ مِنْ نَجَاحٍ، بَلْ قَدْ يَكُوْنُ كَلَمْحَةِ بَرْقٍ خَاطِفٍ ثُمَّ يَحُلُّ بَعْدَهُ ظَلَامٌ حَالِكٌ.

فَاللَّهُمَّ هَيِّئْ لَنَا الرَّشَادَ فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَارْزُقْنَا العَزْمَ في كُلِّ خَيْرٍ، وَوَفِّقْنَا لِكُلِّ نَجَاحٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِيْنَ.

المصدر: مقتبس من إحدى خطب الجمعة في جامع عبدالله بن الزبير بالأحساء للشيخ عبدالرحمن العتيبي – حفظه الله.

Categories

اترك تعليقاً

ابدأ محادثتك الأن
1
هل تحتاج إلى مساعدة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته